وهي ليست طائفةً بالمعنى الصحيح، ولكن هي اتجاه فكري، ولم تكتب عنهم الكتب السابقة، لأنهم لم يكونوا قد برزوا في هذا الوضوح.
دعاة الحرية أو التحرر في العصور الأخيرة عصور الإلحاد في أوروبا، والتي انتقلت إِلَى بلاد الْمُسْلِمِينَ فإذا قلت لأحدهم: هذا حرام يقول لك: أنا حر، ولو دققنا في الكلام لوجدنا أن مفهوم كلامه: أنه خارج عن مقتضى العبودية والشرع ودائرة الحلال والحرام، الذي جَاءَ في الشريعة، فيقول لك: انا حر إذا قلت له يا أخي ألبس زوجتك الحجاب، وإذا قلت: يا أخت تحجبي، قالت: أنا حرة سُبْحانَ اللَّه!
فما معنى ذلك؟ إنه التمرد، وعلى من هذا التمرد هل هو عَلَى الأب الذي يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويقول لكَ أو لها: اتقوا الله عَزَّ وَجَلَّ؟ لا هذا تمرد عَلَى شرع الله -عَزَّ وَجَلَّ- وخروج وفسوق عما أنزل الله -عَزَّ وَجَلَّ- أن يدعي أحد كائناً من كَانَ أنه حر، ثُمَّ يفعل ما يشاء، أبداً، هذا كما قال الله عَزَّ وَجَلَّ: ((أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ))[المؤمنون:115] ولو قدرنا أن المليار كل واحد منهم حر، فكيف ستكون الحياة الإِنسَانية، وأين تقف حريتك؟ وحرية كل فرد؟

1- الحرية الحقيقية هي حرية العبودية لله عز جل
إن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- قد بين أحكام الحلال والحرام، وأعطانا الحرية الحقيقية وهي حرية العبودية لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
فالحر الحقيقي هو من لم يمتلك قلبه أي شيء إلا محبة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، أما من ملكته شهوة أو فتنة أو شبهة فهذا عبد حقير ذليل مقيد، وإن كَانَ يقول أنا حر، فمن أراد الحرية الحقيقية فليتق الله وليتمسك بدينه وليحقق العبودية له تعالى، فكلما كَانَ عبداً له وحده خالصاً كلما كَانَ أكثر حرية، ولهذا تجدون عباد الله الصالحين -الأحرار الحقيقيين- لا يحدهم أي شيء؛ لأن كل ما في الكون من العبيد هم عبيد لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وما يصنعه العبيد لا يضرهم في شيء.
فشَيْخ الإِسْلامِ ابْن تَيْمِيَّةَ مثلاً لما سجنوه ثُمَّ أخذوا الأقلام عنه، فتركوه حتى لا يكتب، قَالَ: " ما يصنع أعدائي بي، أنا قتلي شهادة، ونفيي سياحة، وسجني خلوة" فهذه غاية في الحرية، لا يمكن أن يخشى من أحد.
فالحرية الحقيقية هي في التمسك بما أنزل الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وبالثبات عَلَى دين الله عَزَّ وَجَلَّ، أما الإِنسَان الذي إذا أراد شيئاً من الدنيا يجد أنه يشعر بشيء من العبودية لصاحب هذه الحاجة، وإذا لم تكن لك عنده أي حاجة فإنك تجد نفسك عزيزاً حراً فلا تشعر أنك تتقرب إليه أو تخضع له بأي نوع من أنواع الخضوع، مهما كانت درجته وأياً كَانَ منصبه.
فإذا جرد الإِنسَان التوحيد، ونقى قلبه من الخضوع والعبودية لغير الله؛ فإنه يكون في غاية الحرية التي ينشدها هَؤُلاءِ.

2- دوافع ظهور ومجيء فكرة التحرر
نحن في ما يسمى بالعالم الشرقي -العالم الإسلامي- أخذنا هذه الفكرة دون أن ندرك ما الذي جعل الغربيين يدعون إليها ويؤمنون بها؟
ومن أين استقوا هذه الكلمة وكيف جاءتهم؟
نَحْنُ أخذناها من باب قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لتتبعن أو لتركبن سنن من كَانَ قبلكم، حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه} هذا الإِنسَان الأوروبي تمرد عَلَى دينه وعلماء دينه، فقَالَ: أنا حر فجئنا نَحْنُ لنقول: نَحْنُ أحرار وعلى من نتمرد وعلى أي دين؟
عَلَى دين الله -عَزَّ وَجَلَّ-.
فالإِنسَان الغربي لم يأت بكلمة الحرية هذه إلا من الضغوط التي كَانَ يعاني منها، أما أنت أيها المسلم فالله -عَزَّ وَجَلَّ- أنعم عليك وأنقذك بهذا الدين وبعث محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فعلمك وعلم شعوب الأرض حقيقة الحرية فأنت الذي تُعلِّم جميع شعوب العالم الحرية، فأنت الحر الوحيد في هذا الكون لعبوديتك لله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ولو خرجت عنها لوقعت في الذل، لأن الإِنسَان إذا لم يعبد الله -عَزَّ وَجَلَّ- يعبد الشيطان كما قال الخليل -عَلَيْهِ السَّلام- ((يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ)) [مريم:44] ويقول الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- في الشيطان ((أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ))[يّـس:60] فإذا عصيت الله عَزَّ وَجَلَّ، فقد وقعت في عبودية الشيطان.